للإعلام دورٌ هام في بلورة أي قضية راسخة هي أم عابرة، يحررها ويَصوغُها ويُنتجها على شاكلة المؤسسة الداعمة لتلك المنصة الضخمة التي تُتيح لتلك المؤسسات غسل عقول الشعوب. دخول القضية الفلسطينية تلك المعركة الشرسة عرضها للكثير من الهجمات الاعلامية الداخلية والخارجية وعلى الصعيد العربي ايضا، تشويه الحقائق وانتاج الملفات المشوهة أصبح لافتا للنظر ولا يستطيع أي عاقل إنكار ما تُبصرهُ العين إلا أن كانَ اعمى البَصرِ والبَصيرة.
منذ أعوام والقضية تتعرض للتشويه والتعتيم الإعلامي ومع الأسف تبقى معظم المنابر الفلسطينية تبث لنا برامجها اليومية الساذجة وتبتعد كُل البعد عن الهدف لتكوينها، وهو نقل الحقيقة للشعب والعالم. انتهز الاعلام الاسرائيلي تلك الفرصة وكرس جميع طاقاته لاستغلال تلك الفجوة الضخمة في مؤسساتنا الاعلامية وتوجه للغرب على انه المظلوم وصاحب الحق وأن الشعب الفلسطيني ليس اعزلا ويمتلك عقلا اجراميا ولا يمكن لدولة اسرائيل التعايش مع ارهابهم.
تحرك الإعلام الصهيوني بخطوات مدروسة وعلى مدى بعيد بحيث يُشتت العالم عن فلسطين ليُبصر فقط الرفاهية والحب للسلام لدى الشعب والحكومة اليهودية، كان السلاحُ موجها لصدور الفلسطينيين وفي ليلة وضحاها باتَ السلاحُ بيدِ الفلسطيني مُصورا على أنهُ ظالم وينتهكُ حقوقَ البشرية. في الانتفاضة كان المذياع والجريدة وسيلة المواطن البسيط لمعرفة الخبر، تجتمع العائلة في كل يوم لتستمع للنشرة الاخبارية اليومية، كان الإحتلال يقتحم مقرات الاذاعات ويسرق مُحتوياتها ويعيثُ خرابا بها وأحيانا يَعتقل من يتواجد داخل تلك المباني، يبث التسجيلات الصوتية عبرها، مفادها أن تقوم المقاومة بتسليم سلاحها.
في حروب غزة كان التعتيم الاعلامي يتضخم عاما بعد عام، بدأ الاعلام الاسرائيلي حينها بتطوير منظومته الاعلامية تدريجيا وضخ الاكاذيب وتشويه الصورة الحقيقية للمقاومة حينها، تحكمت اسرائيل بمنابر الاعلام الخارجية وبدأ الصحفيون الإسرائيليون بنشر مقالاتهم داخل إسرائيل والدول الغربية محرضة العالم ضد الفلسطينيين واظهار أنفسهم بدور الضحية وأن إسرائيل كانت مجبرة على خوض الحرب.
كل هذا لا يعني شيئا مقابل أن تقوم معظم الوكالات الفضائية الفلسطينية بالانشغال عما يدور في غزة وعرض أفلام وثائقية لا معنى لها وتترك الحرب الدائرة في ميدان الاعلام الاسرائيلي لتفسح المجال لهم بتشويه وتحريف القضية والمقاومة. تطورت الأساليب التحريفية للحقائق وطالت مواقع التواصل الاجتماعي فأصبحت منبرا لمن لا منبر له، مئات الصفحات المشبوهة التابعة لجهات رسمية وغير رسمية تقوم يوميا ببث الاخبار الحصرية المكذوبة على أنها حقيقة، تشويه لرموز فلسطينية ونشر فضائح وتوسيع شرخ الانقسام الفلسطيني حتى أصبح البيت الفلسطيني ممزقا، فتجد في كل بيت نزاعات بين الاخوة على احقية تنظيم لتوليه الحكم وأن الاخر لا حق له وتجد الشارع الفلسطيني ينشغل بنزاعاته الداخلية متناسيا قضيته التاريخية.
اليوم وتبعا للتطور التكنلوجي الضخم، تصب القنوات الاعلامية الاسرائيلية كُل طاقاتها نحو تمزيق العلاقات الفلسطينية العربية وتكون وحدة من الاعلاميين المدربين والمتقنين للغة العربية بلهجاتها كافة وتُسلط الحسابات الوهمية ذات الاسماء العربية على صفحات الاعلام الفلسطيني، شتمٌ للشعوب العربية من اشخاص تدعي أنها فلسطينية فيقابلها شخوص اخرى تدعي أنها عربية من جنسيات مختلفة فينجر الشارع الفلسطيني خلف تلك الاكاذيب ليشوه نفسهُ بنفسه.
اسرائيل اليوم لا تحتاج لحرب اخرى لتخوضها ضد الشعب الفلسطيني، استطاعت تقسيم الشارع الفلسطيني وفض كل الاتفاقيات لحكومة وحدة وطنية واستطاعت تمزيق العلاقات العربية الفلسطينية وتشويه الحقيقة لتقوم الدول العربية بسحب دعمها للمقاومة ووصفها أنها جماعة ارهابية ويجب التخلص منها، كُل هذا تم عن طريق الاعلام المُسيس الذي استهدف كُل مواطن فلسطيني، استطاع دخول المناطق الفلسطينية وتصوير الافلام الوثاقية والتقارير اليومية عن حياة المواطن الفلسطيني ونشر الفكرة أن اليهود يعيشون في سلام مع الفلسطينيين وأن الفلسطينيين هُم من يريدونَ الارهاب.