يعتبر مصلى باب الرحمة من أبرز مصليات المسجد الأقصى المبارك لما له من أهمية تاريخية حيث شيده الأمويون منذ حوالي 1300 سنة ويقع المصلى في الجهة الشرقية للمسجد الأقصى المبارك، ويتكون من بابين ألا وهما باب التوبة وباب الرحمة، تقع ملاصقة لسوره مقبرة باب الرحمة التي دفن فيها العديد من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم.
مر المصلى بعديد من الحقبات التاريخية بحيث ظل مفتوحا حتى العهد الأيوبي، ليتم إغلاقه في تلك الفترة من قبل صلاح الدين الأيوبي لأسباب أمنية وتم تحويله إثر ذلك في الفترتين المملوكية والعثمانية إلى مكان للصلاة.
تعرض المصلى إلى العديد من التضييقيات خلال فترة الانتداب البريطاني إلا أنه ظل مفتوحا حتى العهد الأردني.
ومنذ سنة 1967 تاريخ احتلال شرق القدس وإلى يومنا هذا لم يسلم مصلى باب الرحمة من تضييقيات واعتداءات سلطات الاحتلال ومستوطنيه، بحيث شكل مطمعا دائما للاحتلال إذ يعتبرونه مقدس يهودي مرتكزين في ذلك على الادعاء الديني الذي يزعم بأن باب الرحمة هو المكان الذي سيدخل منه المسيح المنتظر.
فتعددت بذلك وتنوعت الانتهاكات الإسرائيلية بحق مصلى باب الرحمة من اعتداءات مباشرة طالت المصلى وتجهيزاته في حد ذاتها إلى جانب اعتداءات غير مباشرة تمثلت في التضييق على المصلين والمعتكفين فيه بمختلف الأساليب.
ويبدو أن أخطر ما تعرض له مصلى باب الرحمة عبر التاريخ اغلاقه بقرار من محكمة الاحتلال سنة 2003 بذريعة وجود مؤسسة فلسطينية غير قانونية فيه، بحيث دام ذلك الإغلاق للمصلى 16 سنة إلا أن صمود المرابطين وتمسكهم بحقهم فيه مكنهم من إعادة فتحه إثر ما يعرف ب “هبة باب الرحمة” وكان ذلك بتاريخ 22 فبراير 2019. ومنذ ذلك الوقت لا يزال حقد الاحتلال على المصلى قائما, فتزايدت الاقتحامات المنظمة من قبل قطعان المستوطنين و المنظمات الصهيونية الدينية بحماية شرطة الاحتلال و لم يكتفوا بذلك فقط , اذ تعددت اعتداءاتهم على المصلى فتتعمد شرطة الاحتلال دخوله بالأحذية و تدنيسه إضافة إلى مصادرة محتوياته و تستمر في منع ترميمه إضافة إلى اعتقال كل من يحرص على الصلاة فيه بشكل دائم,
و هو ما حصل على سبيل المثال ثاني أيام عيد الفطر المبارك لهذه السنة و ما قاموا به من تخريب للتمديدات الكهربائية و الإضاءة و السماعات داخله إلى غير ذلك من اعتداءات
ليس هذا فقط بل و لا تزال سلطات الاحتلال و قطعان المستوطنين تفرض انتهاكات على مصلى باب الرحمة و لعل اخرها ما حدث في أول أيام عيد الاضحى المبارك بتاريخ 28 يونيو 202َ3, بحيث اقتحمت شرطة الاحتلال المصلى بهدف تنغيص فرحة العيد على المصلين و اعتقلت عدد من الشبان من داخله اضافة الى مصادرة بعض تجهيزاته و تخريبها.
يأتي ذلك في محاولة جادة من سلطات الاحتلال إلى فرض السيطرة على الجزء الشرقي للمسجد الأقصى المبارك والذي يضم مصلى باب الرحمة خصوصا بعد تقديم عضو الكنيست الإسرائيلي عن حزب الليكود “عميت هاليفي” مشروع قانون يهدف إلى تقسيم المسجد الأقصى مكانيا بين المسلمين واليهود.
كل هذه الاعتداءات و الاقتحامات المنظمة من قبل سلطات الاحتلال إنما هي انتهاك صارخ و تعد واضح على قواعد القانون الدولي الإنساني التي تنص على وجوب حماية المقدسات الدينية و تحجر الهجمات التي يمكن أن تطالها و هو ما تم التنصيص عليه سواء في اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب لسنة 1949 و اتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية لسنة 1954 و بروتوكوليها الإضافيين, إضافة لكونه يعد انتهاكا كذلك لقواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان و الذي ينص على حرية ممارسة الشعائر الدينية و حرية العبادة و ذلك على غرار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 إضافة إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية لسنة 1966 و كذلك ميثاق الأمم المتحدة فكل هذه القواعد تبقى حبرا على ورق في ظل تجاوز سلطات الاحتلال لكل ما جاء فيها إضافة إلى غياب موقف فعلي و جاد للمجتمع الدولي في التصدي لما يحصل في نصلى باب الرحمة خصوصا و المسجد الأقصى المبارك عموما.
و في النهاية، نحن نؤمن بأن مصلى باب الرحمة سيبقى ملكا و حقا خالصا للمسلمين وحدهم بالرغم من كل محاولة تهويده و السيطرة عليه و تدنيسه , و ندعو المجتمع العربي و الإسلامي إلى الوقوف إلى جانب المرابطين و المرابطات الأحرار الصامدين في وجه العدو و ندعو إلى اتخاذ مواقف جادة و فعلية و خلق آليات تمكن من التصدي للإرهاب الصهيوني و منظماته التي لا تسعى إلى تدنيس الأماكن المقدسة الإسلامية بالقدس المحتلة و تغيير طابعها