الحمدلله ناصر المجاهدين ومذل المشركين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام المتقين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين، ومن سار على دربه إلى يوم الدين.
هناك في المدينة المنورة -على ساكنها أفضل الصلاة وأزكى السلام- أمير المؤمنين الفاروق عمر -رضي الله عنه- وأرضاه، يتجول في جنبات المدينة يتفقد الرعية ويهتم بأمر المسلمين، يرسل الجيوش والسرايا لفتح البلاد والعباد وإنقاذهم من وحل الكفر والشرك وإدخالهم في دين الله سبحانه وتعالى فيعيشوا في سعة ورخاء وكرامة.
أمير المؤمنين -رضي الله عنه- يرسل الجيوش للفتح الإسلامي في شرق البلاد وغربها، لكن عينه ما زالت تنظر إلى تلك البقعة المباركة من بلاد المسلمين، وقد خيم الكفر والظلم في جنباتها، وكأن حال تلك المدينة المقدسة ومسرى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يئن ويستغيث؛ فيرسل الآهات والصرخات مدويات فتطوي الأفق وتتجاوز السحاب، إلى أن تنتهي إلى مسامع أمير المؤمنين الفاروق -رضي الله عنه- ولسان حالها يقول: كل البلاد تحررت وأنا ما زلت سجينا مقيّدا؟
متى سيشرق نور الإسلام في جنباتي وفوق أرضي فقد هدّني الكفر والظلم والطغيان؟ أمير المؤمنين يجيب على تلك الآهات والصرخات؛
لبيك لبيك لبيك يا قدس، لبيك يا أقصى، أنا لها… أنا لها.
يا أيها الملك الذي لمعالم الصلــبان نــــكس
جاءت إليك ظلامة تسعى من البيت المقدس
كل المساجد طهرت وأنــا عـلى شرفي أدنـس
وبعد مشاورات ومباحثات مع أصحابه ومجلس الحل والعقد يشير عليه القوم بأن يخرج متوجهًا إلى بيت المقدس فاتحًا ومحررًا، ومَن غير أمير المؤمنين يقوم بهذه المهمة؟ وبالفعل ينطلق موكب النور من المدينة المنورة إلى المدينة المقدسة، وما إن وصل حتى أسرع ذلك البطريرك مستقبلًا أمير المؤمنين -رضي الله عنه- مرحبا يقول: مرحبا بالخليفة العادل، وما لبث أن تسلّم مفاتيح تلك المدينة المقدسة، وها هو المسجد الأقصى المبارك يعود إلى دولة الإسلام بعد مئة سنة تقريبًا.
فما كتب التاريخ ولم يكتب عن تلك المعاهدة “العهدة العمرية”، لا أجمل ولا أكمل ولا أرقى، فما زال التاريخ والكتب تتغنى بتلك العهدة، إنها قمة العدل والأمان والحرية، آن الأوان.. نعم آن أن نغير تلك العبارة حتى تستقيم.
القدس فتحها عمر.. وحرّرها صلاح الدين، ونحن لها الآن، نعم نحن لها الآن، أبناء المسلمين رجالًا ونساء، صغارا وكبارا، شيبا وشبابا، نحن وقود المعركة وجيل التحرير بإذن الله تعالى، فالعدّة العدّة (ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله)صدق الله مولانا العظيم(الروم،4 و5).